الجواب عن تساؤل حول حديثِ التجلِّي، أليسَ فيه من تجسيمٍ وتجسيدٍ للهِ سبحانه وتعالى؟
وصف للمقطع

قرأتُ عليكم في الحلقةِ الماضية حديثاً وسمتهُ؛ (بحديث التجلِّي) من كامل الزيارات في بَيْتِ فَاطِمَة، رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وآله يقولُ للصدِّيقة الكبرى: "إِنَّ العَلِيَّ الأَعْلَى تَرَاءَى لِي فِيْ بَيْتِكِ هَذَا فِيْ سَاعَتِي هَذِه فِيْ أَحْسَنِ صُوْرَةٍ وَأَهْيَأِ هَيْئَةٍ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ الحُسَين؟ - إلى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: وَوَضَعَ - العَلِيُّ الأعلى الَّذي قال عنهُ رسولُ الله من أنَّهُ تراءى لهُ في أحسنِ صورةٍ وأهيأ هيئةٍ - وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأسِ الحُسَيْن قَائِلاً - العَلِيُّ الأعلى - بُوْرِكَ مِنْ مَوْلُودٍ عَلَيْهِ بَرَكَاتِي وَصَلَاتِي"، إلى آخرِ ما جاءَ في الحديثِ الشريف.

حَدَثَ تساؤلٌ في وسائلِ التواصل الاجتماعي، ورُبَّما انتشرَ هذا التساؤل: أليسَ في هذَا الحديثِ من تجسيمٍ وتجسيدٍ للهِ سبحانهُ وتعالى؟

حينما قرأتُ الحديثُ أشرتُ إلى قُصور اللغةِ، وأشرتُ إلى أنَّ الفهم الدقيق هو عندهم صلواتُ اللهِ عليهم، وعقيدتنا في التوحيدِ واضحةٌ، مرَّ علينا الكلامُ في شؤونِ عقيدة التوحيدِ في مجموعة حلقاتِ (اعْرِف إِمَامَك)، وقد قلتُ في حينها حينما كنتُ أُحدِّثكم عن التوحيدِ في تلكَ الحلقات، من أنَّني تتبَّعتُ عقيدةَ التوحيدِ عندَ الدياناتِ وفي الفلسفاتِ المختلفة، ما وجدتُ تنزيهاً للهِ سُبحانهُ وتعالى كتنزيهِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، حتَّى مراجعُ الشيعةِ في حوزة الطوسي لأنَّ عقيدتهم في التوحيدِ عقيدةٌ مُعتزليَّة، هذَا أمرٌ مفروغٌ منه، لا علاقة لهم بتوحيدِ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد، حوزةُ النَّجفِ شافعيَّةُ الفقه، معتزليَّةُ العقيدة من الآخر، وهذا الكلامُ ما هوَ بقولٍ أُطلقهُ على عواهنهِ لقد أثبَتُّ هذهِ الحقيقةَ عِبرَ مئات ومئات من الساعاتِ والأدلَّةِ والوثائقِ والحقائق، لا شأنَ لي بهم الآن.

التنزيهُ في عقيدةِ التوحيدِ وفقاً لمنهجِ العترةِ الطاهرة تنزيهٌ بحسبِ عقل المعصوم، لا بحسبِ عقولنا، ولن تجدوْا تنزيهاً كهذا التنزيه في كُلِّ الدياناتِ، في كُلِّ المذاهبِ، في كُلِّ الاتجاهاتِ والمشارب.

أمَّا الحديثُ فقدَ جاءَ في أسلوبِ تعبيرٍ ينسجمُ مع تعابير القُرآن، إذا ما ذهبنا إلى سورةِ الفتح، وإلى الآيةِ العاشرةِ بعد البسملة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ - هذا حديثٌ عن عامّة المسلمين الَّذين بايعوْا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآله - فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾، المنافقونَ داخلونَ في هذهِ البيعة، الدليلُ فإنَّهم سينكثون ونكثوْا، الأُمَّةُ نكثت هذهِ البيعة بعدَ أن قتلت رسول الله، بعد أن قُتِل مسموماً.

ومع ذلكَ فالتعبيرُ واضحٌ: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾.

والحديثُ هكذا قال: (وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأسِ الحُسَيْن).

القرآنُ يُحدِّثنا من أنَّ الله قد جعل يدهُ فوق أيديهم، فوقَ هذهِ الأيدي الَّتي نكثت بيعتها بعد ذلك ونقضت دينها، وغدرت بغديرِ مُحَمَّدٍ وعليٍّ، الحديثُ هنا قطعاً عن بيعةِ الشجرة، ولكنَّ هذا المضمون ذكرهُ رسول الله في خُطبةِ الغدير، هذا المضمونُ جاء مذكوراً في بنودِ بيعة الغدير، لا أريدُ أن أتحدَّث عن كُلِّ شيءٍ.

وحتَّى فيما يرتبطُ بهذا التعبير: (إِنَّ العَلِيَّ الأَعْلَى تَرَاءَى لِي فِيْ بَيْتِكِ هَذَا فِيْ سَاعَتِي هَذِه فِي أَحْسَنِ صُورةٍ وَأَهْيَأِ هَيْئَةٍ)، هذا التعبيرُ يوجدُ ما يُماثلهُ في الكتابِ الكريمِ وفي الأدعيةِ والزياراتِ والأحاديث.

آخذ لكم مثالاً من الأدعيةِ الشريفة: ما جاء في دعاء السمات.

وهو دعاءٌ معروفٌ من أدعيتنا الصحيحةِ الواردةِ عنهم صلواتُ اللهِ عليهم، ماذا جاء في دعاءِ السمات؟ وأنا أقرأ عليكم من (مفاتيح الجنان): وَأَسْأَلُكَ بِكَلِمَتِكَ الَّتِي غَلَبَتَ كُلَّ شَيء وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلْتَهُ دَكَّا وَخَرَّ مُوْسَى صَعِقَاً وَبِمَجْدِكَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَى طُورِ سَيْنَاء فَكَلَّمَتَ بِهِ عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُوسَى بنَ عِمْرَان - كُلُّ هذا يُمكننا أن نجدَ لهُ توجيهاً معنويّاً.

ولكن ماذا نقولُ لهذا التعبير: "وَبِطَلْعَتِكَ فِي سَاعِير"، الطلعةُ ليسَ لها من بُعدٍ معنوي، الطلعةُ ماديّةٌ، لكن هل يرادُ من هذا التعبيرِ المعنى الحسي؟ قطعاً لا يرادُ من هذا التعبيرِ المعنى الحسي، الكلامُ هو هو في الحديث الَّذي قرأته عليكم، ماذا جاء في الحديث؟ (فِي أَحْسَنِ صُوْرَةٍ وَأَهْيَأِ هَيئَةِ).

ما هو هذا التعبيرُ: "وَبِطَلْعَتِكَ فِي سَاعِير وَظُهُورِكَ فِي جَبَل فَارَان"، إلى بقيَّةِ ما جاء في الدعاء الشريف.

فالطلعةُ والظهورُ، والطلعةُ بالذَّات تُشيرُ إلى جهةٍ حسيَّةٍ، لكنَّ الدعاء لا يريدُ ذلك، اللغةُ قاصرة والتعابيرُ محدودة، ونحنُ في مقام التنزيهِ لا نعودُ إلى عُقولنا، عُقولنا مُعطَّلةٌ في هذا الباب نعودُ إلى عقل المعصوم صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، وإذا أردتم تفصيلاً في عقيدة التوحيدِ فعودوْا إلى صحائف العقيدةِ السليمةِ في مجموعةِ حلقاتِ (اعرف إمامك)، 

المجموع :2629

العنوان الطول روابط البرنامج المجموعة الوثاق