إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته... فرُوَيْدًا لا يغرّنّكم

تفسير الإمام العسكري - قوله تعالى غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ - ح27


قال علي بن الحسين عليه السلام :

إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه ، وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم ، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخا لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه ،
وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام ، فرويدا لا يغرنكم ! فإن شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من ينبوا عن المال الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوها قبيحة ، فيأتي منها محرما ،
فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم ، حتى تنظروا ما عقدة عقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغركم ! تنظروا أمع هواه يكون على عقله أم يكون مع عقله على هواه وكيف محبة للرياسات الباطلة وزهده فيها فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ، فهو يخبط خبط عشواء ، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رياسة التي قد شقي من أجلها ، فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا ، ولكن الرجل كل الرجل . نعم الرجل هو : الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضى الله ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفذ ، وأن كثيرا ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول فذلكم الرجل نعم الرجل فيه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا يخيب له طلبة .

78