يوم عاشوراء يومٌ للفرح والسُرور عند المدرسة العرفانيّة ..!


الرُوح المجرّد - للسيّد مُحمّد حسين الطهراني

صفحة 80 :

لقد كانَ وضعُ وحالُ حضرة الحدّاد - يُشير إلى سيّد هاشم الحدّاد - مُتغيّراً ومُنقلباً طوال الأيّام العشرة للعزاء، وكان وجهه يحمرُّ وعيناه تتلألأ وتُنير، لكنَّ حالَ الحُزن والغمّ لم تكن لتبدو عليه، بل كان الابتهاجُ والسُرورُ يملأُ كيانهُ، وكان يقول: كم أنَّ هؤلاء الناس غافلون حين يحزنون ويُقيمون المآتم والعزاء لهذا الشهيد القتيل، إنّ مسرح عاشوراء من أبدع مناظر العشق، ومن أروع مواطن الجمال والجلال الإلهي، وأحسنِ مظاهر أسماء الرحمة والغضب، ولم يكن لِيُمثّلَ لأهلِ البيت "عليهم السلام"" إلّا العبور مِن الدرجات والمراتب والوصول إلى أعلى ذروة الحياة الخالدة والإنسلاخ عن المظاهر والتحقّق بأصل الظاهر والفناءُ المُطَلق في الذات الأحديّة...


...


ولقد كانَ في الحقيقةِ يوم سُرور أهلِ البيت وبهجتهم؛ لأنَّهُ يومُ الظَفَر، ونَيلُ المُنى والفَوزُ بورودِ حريم اللهِ وحرم أمنهِ وأمانه، يوم العبور مِن الجُزئيّة والدخولِ إلى عالم الكُليّة، يومُ النصر والنجاح والوصول إلى المنشودِ الغائي والهدفِ الأصلي، يوم لو كُشِف عن جُزءٍ منه للسالكين والعاشقين والوالهين في طريق الله لجعلهم إلى آخر العمر مدهوشين من فرط السرور ولهووا ساجدين حتّى يوم القيامةِ شُكراً لله.. كان حضرة السيّد الحدّاد يقول: إنّ الناس غافلون أصمّت محبّة الدُنيا آذانهم وأعمتْ أعينهم بِحيث صاروا يتأسّفون لِذلك اليوم ويأنّون أنين الثكلى، فهم لا يعلمون أنّها كُلّها فوزٌ ونجاح ومُعاملة رابحة لِشراء الأشياء النفيسة والجواهر الثمينة مُقابل إعطاء الخزف والقشور، وأنَّ ذلك القتل لم يكن موتاً بل كان عينَ الحياة ولم يكنْ انقطاعاً وانصراماً للعُمر بل حياة الخلود السرمدي


...


ولقد كان حضرة السيّد الحدّاد يبكي كثيراً ويذرف الدموع غِزاراً في الأيّام العشر الأوائل مِن المُحرّم، لكنّها كانت كُلّها بُكاء الشوق، وكانتْ دُموعهُ تنصبُّ أحياناً مِن شِدّة الوجدِ والسُرور، أشبهَ بِميزابٍ يصبُّ ماء الرحمة ومطر العشق على محاسنه الشريفة، وكان يقرأُ في كتاب مولانا مُحمّد البَلْخي الرُومي - الشاعر الصوفي السُنّي المعروف جلال الدين الرومي - هذه الأشعار، ويُردّدها بصوتٍ لا أروعَ ولا أبدع لا تزالُ نَبَراته وتلك النغمات وفيض الدُموع ذلك مُجسّماً في خاطري، لكأنَّ الحدّاد قد جلس الآن أمامي وكتاب المثنوي




بحار الأنوار - 46

باب حزنه وبكائه على شهادة أبيه
صلوات الله عليهما

? ـ الصادق عليه‌ السلام : بكى علي بن الحسين عليه‌السلام عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهاكين ، قال : إنما أشكوبثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لاتعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة.


وفي رواية : أما آن لحزنك أن ينقضي؟! فقال له : ويحك إن يعقوب النبي عليه‌السلام كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم ، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه ، واحد ودب ظهره من الغم ، وكان ابنه حيا في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني؟
وكان إذا أخذ إناء يشرب ماء بكى حتى يملاها دمعا ، فقيل له في ذلك فقال : وكيف لا أبكي؟ وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش. وقيل له : إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا؟ فقال : نفسي قتلها وعليها أبكي


"
449